اولاً : معني المكي والمدني
يقسم القرآن في عرف علماء التفسير الي مكي ومدني فبعض آياته مكية وبعضآياته مدنية وتوجد في التفسير اتجاهات عديدة لتفسير هذا المصطلح احدهماالاتجاه السائد وهو تفسيره علي اساس الترتيب الزماني للآيات واعتبارالهجرة حداً زمنياً فاصلاً بين مرحلتين فكل آية نزلت قبل الهجرة تعتبرمكية وكل آية نزلت بعد الهجرة فهي مدنية وان كان مكان نزولها مكية كالآياتالتي نزلت علي النبي حين كان في مكة وقت الفتح فالمقياس هو الناحيةالزمنية لا المكانية.
والاتجاه الآخر هو الاخذ بالناحية المكانية مقياساً للتميز بين المكيوالمدني فكل آية يلاحظ مكان نزولها فان كان النبي (ص) حين نزولها في مكةسميت مكية وان كان حينذاك في المدينة سميت مدنية.
والاتجاه الثالث يقوم علي اساس مراعاة اشخاص المخاطبين فهو يعتبر ان المكيما وقع خطاباً لاهل مكة والمدني ما وقع خطاباً لاهل المدينة.
ويمتاز الاتجاه الاول عن الاتجاهين الاخيرين بشمول المكي والمدني علي اساسالاتجاه الاول لجميع آيات القرآن لاننا اذا اخذنا بالناحية الزمنية كانتكل آية في القرآن اما مكية واما مدنية لانها اذا كانت نازلة قبل هجرةالنبي الي المدينة ودخوله اليها فهي مكية وان نزلت علي النبي في طريقه منمكة الي المدينة واذا كانت نازلة بعد دخول النبي مهاجراً الي المدينة فهيمدنية مهما كان مكان نزولها واما علي الاتجاهين الاخيرين في تفسير المصطلحفقد نجد آية ليست مكية ولا مدنية كما اذا كان موضع نزولها مكاناً
ثالثاً لا مكة ولا المدينة ولم يكن خطابها لاهل مكة او اهل المدينة نظير الآيات التي نزلت علي النبي (ص) في معراجه او اسرائه.
ثانياً - طريقة معرفة المكي والمدني
بدأ المفسرون عند محاولة التمييز بين المكي والمدني بالاعتماد عليالروايات والنصوص التاريخية التي تؤرخ السورة او الآية وتشير الي نزولهاقبل الهجرة او بعدها وعن طريق تلك الروايات والنصوص التي تتبعها المفسرونواستوعبوها استطاعوا ان يعرفوا عدداً كبيراً من السور والآيات
{ 46 }
المكية والمدنية ويميزوا بينها.
وبعد أن توفرت لهم المعرفة بذلك اتجه كثير من المفسرين الذين عنوا بمعرفةالمكي والمدني الي دراسة مقارنة لتلك الآيات والسور المكية والمدنية التياكتشفوا تأريخها عن طريق النصوص وخرجوا من دراستهم المقارنة باكتشاف خصائصعامة في السور والآيات المكية وخصائص عامة اخري في المدني من الآياتوالسور فجعلوا من تلك الخصائص العامة مقاييس يقيسون بها سائر الآياتوالسور التي لم يؤثر توقيتها الزمني في الروايات والنصوص فما كان منهايتفق مع الخصائص العامة للآيات والسور المكية حكموا بانه مكي وما كان اقربالي الخصائص العامة للمدني واكثر انسجاماً معها ادرجوه ضمن المدني منالآيات بالسور.
وهذه الخصائص العامة التي حددت المكي والمدني بعضها يرتبط باسلوب الآيةوالسورة كقولهم ان قصر الآيات والسور وتجانسها الصوتي من خصائص القسمالمكي وبعضها يرتبط بموضوع النص القرآني كقولهم مثلاً ان مجادلة المشركينوتسفيه احلامهم من خصائص السور المكية.
ثالثاً - الشبهات المثارة حول المكي والمدني
لقد كان موضوع المكي والمدني من جملة الموضوعات القرآنية التي اثيرت حولهاالشبهة والجدل وتنطلق الشبهة هنا من اساس هي ان الفروق والميزات التيتلاحظ بين القسم المكي من القرآن الكريم والقسم المدني منه.. تدعو في نظربعض المستشرقين الي الاعتقاد بان القرآن قد خضع لظروف بشرية مختلفةاجتماعية وشخصية تركت آثارها علي اسلوب القرآن وطريقة عرضه وعلي مادتهوالموضوعات التي عني بها.
ويجدر بنا قبل ان ندخل في الحديث عن الشبهات ومناقشتها ان نلاحظ الامرين التاليين لما لهما من تأثير في فهم البحث ومعرفة نتائجه.
الاول : انه لابد لنا أن نفرق منذ البدء بين فكرة تأثر القرآن الكريموانفعاله بالظروف الموضوعية من البيئة وغيرها بمعني انطباعه بها وبين فكرةمراعاة القرآن لهذه الظروف بقصد تأثيره فيها وتطويرها لصالح الدعوة فانالفكرة الاولي تعني في الحقيقة بشرية القرآن حيث تفرض القرآن في مستويالواقع المعاش وجزءاً من البيئة الاجتماعية يتأثر بها كما يؤثر فيها بخلافالفكرة الثانية فانها لا تعني شيئاً من ذلك لأن طبيعة الموقف القرآني الذييستهدف التغيير وطبيعة الاهداف 49 }
والغايات التي يرمي القرآن الي تحقيقها قد تفرض هذه المراعاة حيث تحدد الغاية والهدف طبيعة الاسلوب الذي يجب سلوكه للوصول اليها.
فهناك فرق بين ان تفرض الظروف والواقع نفسها علي الرسالة وبين أن تفرضالاهداف والغايات التي ترمي الرسالة الي تحقيقها من خلال الواقع اسلوباًومنهجاً للرسالة. لان الهدف والغاية ليسا شيئين منفصلين عن الرسالة ليكونتأثيرهما عليها تأثيراً مفروضاً من الخارج.